سورة الأنفال هدف السورة: قوانين النصر ربانيّة ومادية
كاتب الموضوع
رسالة
همسه المدير العام
عدد الرسائل : 1266 البلد : ( غريبة جئت ، غريبة عشت ، غريبة أذهب للقبر ) تاريخ التسجيل : 12/10/2008
موضوع: سورة الأنفال هدف السورة: قوانين النصر ربانيّة ومادية الثلاثاء نوفمبر 18, 2008 12:29 pm
سورة الأنفال
هدف السورة: قوانين النصر ربانيّة ومادية
سورة الأنفال سورة مدنية نزلت عقب غزوة بدر التي كانت فاتحة الغزوات في تاريخ الإسلام المجيد وبداية النصر لجند الرحمن حتى سمّاها بعض الصحابة بسورة بدر وسمّاها الله تعالى في القرآن الكريم بـ(الفرقان). لأنها تناولت أحداث هذه الموقعة باسهاب ورسمت الخطة التفصيلية للقتال وبيّنت ما ينبغي أن يكون عليه المسلم من البطولة والوقوف في وجه الباطل بكل جرأة وشجاعة وصمود. وقد كان عدد المسلمين 313 مقابل 1000 من المشركين لكن المسلمين على قلة عددهم انتصروا بعون الله تعالى وباستعدادهم للحرب على المشركين مع كثرتهم وكانت اول المعارك بين الحق والباطل في التاريخ الإسلامي.
وقد سبق في السور الطوال التي سبقت الأنفال أن عرض الله تعالى لنا المنهج وكيف نثبت عليه بالتوحيد الخالص لله وبالعدل وحسم المواقف ثم جاءت سورة الأنفال ليبّين لنا أنه حتى ينتصر المنهج يجب أن يكون له قوانين للنصر فالنصر لا يأتي صدفة ولا فجأة وإنما يحتاج إلى قوانين، فسورة الأنفال تتحدث عن قانوني النصر في غزوة بدر والتي يمكن أن تكون عامة لكل الغزوات والمعارك بين الحق والباطل.
قوانين ربّانية (النصر من عند الله) قوانين مادية (الإستعداد للقتال بالعدة والتهيئة النفسية والعسكرية)
والسورة تنقسم الى قسمين بارزين كل منهما يتناول أحد هذه القوانين. والسورة تحتوي على توازن بين القانونين، النصر من عند الله فبعد التوحيد الخالص لله في سورة الأنعام وأن كل شيء لله تعالى كان النصر من عند الله امراً طبيعياً، ولكن لا بد من التخطيط والإستعداد (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، آية 53 بمعنى نبذل كل الجهد ونتوكل على الله حتى ينصرنا.
وسميّت السورة بالأنفال لورود كلمة الأنفال فيها وهي لغة تعني الغنائم وكان المسلمون بعد انتصارهم قد اختلفوا كيف توزع الغنائم عليهم والله تعالى اراد ان ينبههم إلى أن الغنائم هي من الدنيا والاختلاف عليها خلاف على الدنيا والله تعالى يريد أن يرسّخ في قلوب المسلمين قوانين النصر بعيداً عن الدنيا ورموزها، والأنفال قضية فرعية أمام القضية الهامة التي هي تقوى الله ولذا فإن السورة ابتدأت بالسؤال عن الأنفال في الآية 1 (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ولم تأتي الإجابة على السؤال إلا في الآية 41 (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولهذا حكمة من الله تعالى. إذن فالمعنى أن سورة الأنفال تتحدث عن قوانين النصر وأكثر ما يؤثر على قوانين النصر الدنيا والأنفال هي من الدنيا فكأن الأنفال هي التي تضيّع النصر، وفي السورة تحذير للمسلمين من الفرقة من أجل الدنيا وتوجيه لهم بالوحدة والأخوّة والتخطيط والرجوع إلى الله لتحقيق النصر.
القسم الأول: وما النصر إلا من عند الله: (الآيات في الربعين الأولين) تذكير أن الله تعالى هو الذي نصرهم فعلينا ان نثق بالله تعالى ونتوكل عليه لأنه صانع النصر. ودليل ذلك:
· موعد ومكان المعركة بترتيب من الله تعالى (إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) آية 42. لمّا أنزل الله تعالى المطر جعل الأرض عند المسلمين صلبة تعينهم على خفة الحركة وجعل الأرض عند المشركين طينية أعاقت حركتهم في المعركة وهذا بتدبير الله عز وجل.
· موازين القوى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ* الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) آية 65 – 66، الأسباب المادية مهمة أيضاً حتى أن هزيمة الكفار تعود إلى الأسباب المادية لأنهم لم يكونوا يفهمون الحرب جيداً ولم يعرفوا عدوهم.
· الأخوّة: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) آية 46، (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) آية 63 و64. فقضية الأخوّة هي من أهم الأسباب المادية التي تصنع النصر فالمؤمنون مهما اختلفت أجناسهم أمة واحدة. ونلاحظ ارتباط هذه السورة بسورة آل عمران من منطلق الأخوّة (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) آية 103 و (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) آية 105 في آل عمران تعين على الثبات كما هو هدف السورة وآية 46 في سورة الأنفال وهي من قوانين النصر المادية
وفي سورة الأنفال لفتة كريمة في صفات المؤمنين. نلاحظ أن الآيات في بداية السورة وصفت المؤمنين (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) آية، 2-4 وفي ختام السورة جاء وصف المؤمنين أيضاً (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) آية 74، لكن هناك بين فرق بين الصفات في الآيتين وهذا الفرق هو اثبات لقانوني النصر في السورة، فصفات المؤمنين في الآية 4 هي صفات إيمانية يتحلى بها المؤمنون الذين يثقون بالله وبقدرته وبأن النصر من عنده وجاءت في القسم الأول (القوانين الربّانية) . أما الآية 74 فأعطت صفات المؤمنين المناسبة للأمور المادية والقوانين المادية وجاءت في القسم الثاني للسورة (القوانين المادية) وهكذا مثلت صفات المؤمنين في السورة التوازن بين قوانين النصر الربانية والمادية.
وجاءت في سورة الأنفال نداءات إلهية للمؤمنين ست مرات بوصف الإيمان (يا أيها الذين آمنوا) كحافز لهم على الصبر والثبات في مجاهدتهم لأعداء الله وتذكير لهم بأن هذه التكاليف التي أمروا بها من مقتضيات الإيمان الذي تحلوا به وأن النصر الذي حازوا عليه كان بسبب الإيمان:
النداء الأول: التحذير من الفرار من المعركة والوعيد للمنهزمين أمام الأعداء بالعذاب الشديد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ) آية 15
النداء الثاتي الأمر بالسمع والطاعة لأمر الله وأمر الرسول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ) آية 20
النداء الثالث: بيان أن ما يدعو إليه الرسول هو العزة والسعادة في الدنيا والآخرة. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) آية 24
النداء الرابع: بيان أن إفشاء سر الأمة للأعداء هو خيانة لله ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) آية 27