يقال إن الأرض كانت كوكباً خالياً من أي أثر للحياة قبل 4.4 مليار سنة، ولكن كوكباً آخر جاء من الفضاء يدعى "ثيا" واصطدم بالأرض ليكونا عالماً آخر.. العالم الذي نعيشه اليوم، قطعة من "ثيا" شكّلت القمر، وعلى الأرض تكونت المحيطات والأنهار، وعندما يكون الماء تكون الحياة... عموماً تعددت النظريات التي تفسّر نشأة الحياة على ظهر الكوكب، ولكن ما يعنينا فعلياً أن الحياة دبّت في الكون والسلام..
بداية الحياة..
نومالوكاريس أول الضواري بعيون خارج الجسد
الحياة بدأت -حسب الحفريات الموجودة- في المحيطات.. ومنذ 530 مليون عام كانت الكائنات المائية مجرد كائنات أوّلية عمياء تجرفها المياه، الـ"نومالوكاريس" كانت أول الضواري على سطح الأرض، تستطيع أن تعض وتحارب لكي تعيش، طول هذا الوحش البحري حوالي مترين، ويمتلك خاصية مختلفة عن باقي المخلوقات الأرضية، ألا وهي العينان..
المفصليات البدائية كانت بأحجام كبيرة
كانت العيون في ذلك الوقت بدائية وخارج الجسم تماماً، هذه الخاصية أتاحت لهذا الوحش الغامض أن يعيش ويتحكم في مقدّرات المحيطات، ولكن الفرائس الأولية كان لها رد فعل بدورها، فتكونت العيون لدى هذه المخلوقات وبدأ ما يشبه سباق التسلح، وصارت قاعدة الحياة الأولى "البقاء للأقوى".
أم 44 البدائية
كان السلاح الأول للكائنات الضعيفة هو تكوين ما يشبه هياكل عظمية على السطح الخارجي لأجسادها، وظهرت "أرثروبودس" أو المفصليات، وهو الشكل البدائي للعناكب والحشرات، وكانت تصل لأحجام كبيرة وأطوال بالغة، منها "أم 44" البدائية التي يصل طولها إلى المترين وأكثر ولها دفاعات قاسية جداً، ظهرت أيضاً أقدم الأسماك المتوحشة "هايكتيثيس"، وهي بحجم ظفر الإصبع، ولكنها قادرة على تطوير دفاعاتها الداخلية بدلا من الدفاعات الخارجية، ولها عمود فقري بدائي، وهي أول كائن فقاري ظهر على الأرض.
مفصليات بدائية
بمرور الوقت ظهرت الزعانف والذيل، وشكّل هذا مرونة كبيرة وانسيابية عالية للأسماك، مكنها من البقاء والدخول في معارك قوية مع الكائنات اللافقارية الأكبر حجماً في تلك الفترة الغابرة من تاريخ الأرض..
وبحلول العصر "السيليوري" قبل 400 مليون عام، كانت المفصليات قد تضخمت وظهرت أسلحتها العديدة المكونة من مقصات قوية وبنية جسدية هائلة تجعلها تشبه المدرعة؛ فهناك "البرونتو سكوبيو" وهو عبارة عن عقرب طوله متر وله خياشيم وإبرة تضخ السم، وهناك أيضاً "تيروجتوس" عملاق العقارب البحرية، طوله يزيد على الثلاثة أمتار..
تيروجتوس كان طوله يتجاوز الثلاثة أمتار
وبازدياد الخطر نجحت الأسماك في التأقلم وتطوير نفسها من خلال الاستعانة بأجهزة إنذار مبكر، وهي عبارة عن خلايا استشعارية على الجلد تمكنها من الإحساس بالحركة، لذا يُمكن القول بأن الأسرع والأقوى والأطول نفساً كان الأقدر على البقاء، ولكن كل هذه العوامل لا تجتمع في كائن واحد، هناك السريع وهناك القوي وهناك المراوغ، وكل سلاح قادر على هزيمة السلاح الآخر، وظهرت أيضاً هجرات الأسماك العظيمة للتوالد بعيداً عن أماكن الخطر، وهذا أول ظهور فعلي للذاكرة لدى الأسماك، فقد ظهرت الأدمغة المتطورة بالفعل لديها، وربما كان هذا سلاحها الأول في مواجهة العقارب الضخمة، وعندما شح الطعام بالنسبة للعقارب، أخذت طريقها إلى اليابسة، العقارب هي أول من غادر المحيط متجهاً نحو اليابسة وليست الأسماك، فقد كانت العقارب تمتلك خياشيم، ونظاماً بدائياً للرئة في نفس الوقت، لم تكن العقارب قادرة على التنفس، ولكن على امتصاص الأوكسجين للدم مباشرة.
على اليابسة..
كانت اليابسة أيضا غريبة الشكل قبل 360 مليون عام، الصحاري في كل مكان ودرجة الحرارة لا تطاق، هناك زلازل وبراكين؛ لأن قشرة الأرض لم تبرد بعد، ولب الأرض ما زال في حالة هيجان، الهواء كان مختلفاً، فنسبة الأوكسجين أقل وثاني أكسيد الكربون أكبر بثلاثمائة ضعف مقارنة عما هو عليه الآن، وفي هذا الجو ظهرت المخلوقات الأولية على اليابسة، النباتات طبعاً..
كان لنباتات "كوكسونيا" ميزة فريدة مكنتها من تحمل هذا الفرن الكوني، كانت البراعم تنمو إلى الأعلى مما مكنها من استخلاص مزيداً من ضوء الشمس الذي يساعدها أكثر على النمو، وكان هذا يختلف كلياً عن عالم الطحالب والفطريات..
هينيربيتون أول كائن برمائي يشبه التمساح
أول حيوان برمائي ظهر على اليابسة كان " هينيربيتون"، وهو مخلوق يشبه التمساح في تكوينه الخارجي وبنيته الجسدية، ولكن طوله كان متراً ونصف المتر تقريباً، وكان يمتلك رئة معقدة تمكّنه من استنشاق الأوكسجين بكل فاعلية، وقد سيطر على اليابسة قبل 300 مليون عام، المفصليات التي خرجت من الماء بدأت في تقليص أحجامها لتواكب التغيرات البيئة المحيطة.. النباتات أيضاً قد تغيرت لتكون الغابات العملاقة المكونة من الأشجار، وكانت مساحات الغابات شاسعة جداً طولها يمتد إلى 50 متراً وتمُت بصلة لعالم "السرخسيات" وبذلك ضخت كميات مضاعفة من الأوكسجين، حتى صار الأوكسجين بنسبة 35% تقريباً، أما عن الماء فقد ظهرت الأسماك الأكثر شراسة والأقدم وهي القروش، "هينيريا" هي نوع من آكلات اللحوم وزنها طنين وطولها خمسة أمتار، وكان يشبه الحوت ولكنه أكثر شراسة بكثير، كانت الأخطار في المياه أكثر بكثير من أخطار اليابسة، ولذلك بدأت الحياة تنتقل ببطء ولكن بفاعلية من المياه إلى اليابسة.
غابات من السرخسيات
في العصر الكربوني ظهرت الزواحف على اليابسة.. وأهم ما يميز زواحف تلك الفترة الغابرة هي الجلد المتشقق الذي يمكنها من الاحتفاظ بالرطوبة دون اللجوء إلى المحيطات وأخطارها الرهيبة، ومع الزواحف خلق عالم كامل من الحشرات والعناكب. عنكبوت "ميسوثيلاي" كان بحجم رأس الانسان تقريباً، ويمكنها العيش تحت سطح الأرض وفي الأنفاق وتبني الكمائن للكائنات الأصغر، ظهرت أيضاً "ميجا نيوريد" وهي حشرة طائلة متوحشة تشبه حشرة "فرس النبي"، ولكنها عملاقة طول أجنحتها يصل إلى المتر تقريباً، وكانت العدو الأساسي للمفصليات.
هينيريا تشبه الحوت وأكثر شراسة بكثير
كائنات مائية غابرة
لا بد أن نعرف أن الحياة لم تكن هادئة قط، نسبة الأوكسجين عالية وهذا يعني أن المخلوقات عندها قابلية عالية للعيش والتكاثر، ولكن في المقابل ضربة برق واحدة قادرة على إحداث انفجار، البحر كان متوتراً والأعاصير لم تفارق الأرض، وكانت القدرة على الحياة غير انتقائية، قد يموت الأقوى؛ لأنه في المكان الخطأ، ويعيش الأضعف؛ لأنه في المنطقة الصحيحة.